على مائدة الافطار ٢٤ / ١٤٤٥حريق محطة عبدالله العبيد القاسم بحائل عام ١٣٧٩ هـ...

على مائدة الافطار ٢٤ / ١٤٤٥

حريق محطة عبدالله العبيد القاسم
بحائل عام ١٣٧٩ هـ

الامس ، مليء بالأخطاء والكوارث ، وشح الإمكانات ، ومن واجبنا ان نتعلم منها ، حتى لا تتكرر .. ولكن من السذاجة ان نكرس وقتنا ، وكل جهودنا في تقليب صفحات الامس .. ففي منتصف سنة ١٣٧٩هـ .. والمكان منزل ومحطة محروقات بطوارف جنوب مدينة حائل ، يملكها عبدالله بن عبيد القاسم ، وكانت اول محطة محروقات أنشئت سنة ١٣٧٥هـ ، مكانها بارز شرق المطار القديم ، شمال غرب فلاحة ( جبلة ) المتميزة ..
اثناء عملية تفريغ صهريج البنزين بخزانات المحطة ، وبفعل شحنة كهرباء ستاتيكيه لخرطوم التفريغ ، مما أدى الى اشتعال النار في الوايت والخزانات .. الخ ..
كانت الرياح يومها جنوبية ، وبفعلها غطت سماء المدينة بسحب كثيفة من الدخان الاسود ، وسرت النيران الى أبنية وملاحق المحطة ..
قصص تتخفف منها ذاكرتي ، هي دروس في الحياة يجب ان نعلمها لاطفالنا ، يجب ان نقدم لهم القصص التي تروى بهم ؛ كيف يتحول الإقدام ، وبطولة المواقف والاندفاع ، الى رصيد من الوطنية والغيرة والشهرة ، والمال احيانا .. قصص نجاح في بلادنا .. تروى للولد الصغير المتطلع الى الحياة ليعلم ان الصعود الى القمة ليس مستحيلا ، ونروي له ايضا ، كيف كافح وغامر الناجحون ، وكيف تعثروا ، وكيف تغلبوا على الاخفاق ، وكيف وصل بهم الطموح الى مبتغاهم ..
ومن أمانة التاريخ ، ومعرفة اقدار الناس ؛ اتذكر هنا المواطنة ، واصحاب الفضل .. في كل مواقف يتراءى ووعيته .. وكانت اياماً زاكية مباركة الحال ، وقد اعطاهم المجتمع خبرة الايام ، وثمار مجالسة اهل الفضل ، واحاديث الذاهبين الاولين ، اعطوه حماسة الشباب ، وفورته ، وتوقده ، انهم فتحوا له ابوابا من النظر ، بل دلوا على الطريق بنظرهم ومطالباتهم ونقل صوت المواطن ، بصدق وحسن نية ،
يتجمهر الناس ، كل الناس ، بدافع الفضول ، امام اي حادث ، لاسيما امام مشهد حريق مشتعل كهذا الحريق المروع بمحطة القاسم .. لكن حريقا آخر يشتعل في فؤاد فتى اشتعالا بركانيا ، وهو يرى النيران تضطرم بالمحطة وممتلكاته.. وحين يرى الفتى الامر كذلك ، فان لهذا الفتى الشاب مزاجا رقيقا ، وطبعا سريع الهياج ، فيه " كربون " الحِدّة ، و " كبريت " الانفعال .. اتاح الرحمن الرحيم للفتى ان يشمر عن ساقيه في ساعة أمرت ازرار الخطر والانفجار بالاسبال والتوقي والبعد ، ولكن المغامر الشاب سليمان بن عبدالله اليحيا يخترق صفوف المتجمهرين الفضوليين مندفعا الى حيث محبس ( قفل ) الصهريج ، مصدر النيران ،
يا رعاك الله ، وما هي الا هنيهة ، هَمّ ، وألقى بين عينيه هَمَّه ، ونكب عن ذكر العواقب المميتة واخطارها جانبا، مع ما كان يرقبه الجمهور مندهشا ، بانتظار انفجار الصهريج المشتعل .. فتى يبادر غايات من المجد طوّحتْ به ، وزلزلته ، فنسي حياته .. فتى شهم آخر شدّه الموقف فإلتحق به يعاونه إنه المرحوم عبدالله بن عبدالوهاب القاسم ، كلاهما لم يستشر في رأيه غير نفسه ،
كان المشهد .. وكان الفتيان في مرارة الجِد ، وعنفوان الجسارة ، ومضاعفة الحزن ، على خطر يترصد ويسري ، وباقدامهما وجسارتهما بلغا في ذلك " المغامرة المميتة " اقصاها ، وادركا في غرض البطولة منتهاها .. أقفلا المحبس وأحكما إغلاق الغطاء المشتعل نارا تلظى ، صلاها الفدائيان سليمان اليحيا وعبدالله العبدالوهاب القاسم رحمهما الله رحمة واسعة إيثاراً وحمية وفداء ،
وكان ، غيرهما ، نكص وتسمر ، وآب شعاعيا على شر تمثال ..
.. يضمني واياكم في مقام الحديث واتسب قرأته اثناء ، مجلس الإفطار ، فتذكرت شيئا عن عظمة المواقف ، وخطرها والجسارة في الفداء وبذل الروح ، ممن نراه الى الاخطار اول راكب ، وتحت صبر الموت اول نازل .. وعما استقبل به اهالي حائل في ذلك الزمان تلك " الفعلة " ، وجليل الامر ، وكيف تبلغ الاستهانة بالروح لدى الشباب ، فرق بين بطولة الطبع الخالدة ، وبطولة الموقف الطاريء التي تجود بها ظروف شاذة ، لا يسهل الحصول عليها ، والتي تهيء نصرا رخيصا او غلبة عارضة ، ينخدع بها بعض الناس ، فيخلعون البطولة على من صادفهم بريق الحظ ، لا عناء الجد ، ومهما تكن الملابسات فان مثل هذه السمات العارضة لا تدل على أصالة الطبع ، وعظمة الجوهر ، وجدارة الاستحقاق ، ذلك ان اصحاب الطبائع العالية والمعادن النقية هم الذين يواجهون الشدائد مهما عظمت ، وينحتون الاسباب مهما بعدت ، ويقهرون الظروف مهما استعصت ، وينتزعون النصر وهو عزيز كالمستحيل او اشد
موقف ، لعمر الله ، ذهب به التاريخ ، وقضى الغاية ، واودع خزائن النسيان ، كان للشَّبَّات حديثا ، يشق على نزع الخواطر مرماه ، ويقع وراء جهد الاوهام منتهاه .. ذهب بطلا الموقف الشاب المغامر المرحوم / سليمان بن عبدالله اليحيا والمرحوم عبدالله العبدالوهاب القاسم ..

https://portal.afaq-arabia.com/932514.html

تعليقات